سورة فاطر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}
ثم بين الله تعالى حال حزبه وحال حزب الله. فقال: {الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} فالمعادي للشيطان وإن كان في الحال في عذاب ظاهر وليس بشديد، والإنسان إذا كان عاقلاً يختار العذاب المنقطع اليسير دفعاً للعذاب الشديد المؤبد ألا ترى أن الإنسان إذ عرض في طريقه شوك ونار ولا يكون له بد من أحدهما يتخطى الشوك ولا يدخل النار ونسبة النار التي في الدنيا إلى النار التي في الآخرة دون نسبة الشوك إلى النار العاجلة.
وقال تعالى: {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} قد ذكر تفسيره مراراً، وبين فيه أن الإيمان في مقابلته المغفرة فلا يؤبد مؤمن في النار، والعمل الصالح في مقابلته الأجر الكبير.


{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
يعني ليس من عمل سيئاً كالذي عمل صالحاً، كما قال بعد هذا بآيات {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور} [فاطر: 19] وله تعلق بما قبله وذلك من حيث إنه تعالى لما بين حال المسيء الكافر والمحسن المؤمن، وما من أحد يعترف بأنه يعمل سيئاً إلا قليل، فكان الكافر يقول الذي له العذاب الشديد هو الذي يتبع الشيطان وهو محمد وقومه الذين استهوتهم الجن فاتبعوها، والذي له الأجر العظيم نحن الذين دمنا على ما كان عليه آباؤنا فقال الله تعالى لستم أنتم بذلك فإن المحسن غير، ومن زين له العمل السيء فرآه حسناً غير، بل الذين زين لهم السيء دون من أساء وعلم أنه مسيء فإن الجاهل الذي يعلم جهله والمسيء الذي يعمل سوء عمله يرجع ويتوب والذي لا يعلم يصر على الذنوب والمسيء العالم له صفة ذم بالإساءة وصفة مدح بالعلم. والمسيء الذي يرى الإساءة إحساناً له صفتا ذم الإساءة والجهل، ثم بين أن الكل بمشيئة الله، وقال: {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} وذلك لأن الناس أشخاصهم متساوية في الحقيقة والإساءة والإحسان، والسيئة والحسنة يمتاز بعضها عن بعض فإذا عرفها البعض دون البعض لا يكون ذلك باستقلال منهم، فلابد من الاستناد إلى إرادة الله.
ثم سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حزن من إصرارهم بعد إتيانه بكل آية ظاهرة وحجة باهرة فقال: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} كما قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على ءاثارهم} [الكهف: 6].
ثم بين أن حزنه إن كان لما بهم من الضلال فالله عالم بهم وبما يصنعون لو أراد إيمانهم وإحسانهم لصدهم عن الضلال وردهم عن الإضلال، وإن كان لما به منهم من الإيذاء فالله عالم بفعلهم يجازيهم على ما يصنعون.


{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)}
هبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار وذلك لأن الهواء قد يسكن، وقد يتحرك وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين، وقد يتحرك إلى اليسار، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب، وقد لا ينشيء، فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر ومؤثر مقدر، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال تعالى: {والله الذي أَرْسَلَ} بلفظ الماضي وقال: {فَتُثِيرُ سحابا} بصيغة المستقبل، وذلك لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى الله وما يفعل الله يكون بقوله كن فلا يبقى في العدم لا زماناً ولا جزأً من الزمان، فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان وكأنه فرغ من كل شيء فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة والتقدير كالإرسال، ولما أسند فعل الإثارة إلى الريح وهو يؤلف في زمان فقال: {تُثِيرُ} أي على هيئتها.
المسألة الثانية: قال: {أُرْسِلَ} إسناداً للفعل إلى الغائب وقال: {سقناه} بإسناد الفعل إلى المتكلم وكذلك في قوله: {فَأَحْيَيْنَا} وذلك لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال، ثم لما عرف قال: أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض فنفي الأول كان تعريفاً بالفعل العجيب، وفي الثاني كان تذكيراً بالنعمة فإن كما (ل) نعمة الرياح والسحب بالسوق والإحياء وقوله: {سقناه... وَأَحْيَيْنَا} بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرناه من الفرق بين قوله: {أُرْسِلَ} وبين قوله: (تُثِيرُ).
المسألة الثالثة: ما وجه التشبيه بقوله: {كَذَلِكَ النشور} فيه وجوه:
أحدها: أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة.
وثانيها: كما أن الريح يجمع القطع السحابية كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء.
وثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت.
المسألة الرابعة: ما الحكمة في اختيار هذه الآية من بين الآيات مع أن الله تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد، فنقول لما ذكر الله أنه فاطر السموات والأرض، وذكر من الأمور السماوية والأرواح وإرسالها بقوله: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} [فاطر: 1] ذكر من الأمور الأرضية الرياح وإرسالها بقوله: {والله الذي أَرْسَلَ الرياح}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8